الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
فإن قيل: ما الفائدة في إنبات شجرة اليقطين عليه دون غيرها؟فالجواب: أنه خرج كالفرخ على ما وصفنا، وجلده قد ذاب، فأدنى شيء يَمرُّ به يؤذيه، وفي ورق اليقطين خاصِيَّةٌ، وهو أنه إِذا تُرك على شيء، لم يَقربه ذباب، فأنبته الله عليه ليغطيَه ورقُها ويمنع الذبابَ ريحه أن يسقط عليه فيؤذيَه.قوله تعالى: {وأرسلْناه إِلى مائةِ ألفٍ} اختلفوا، هل كانت رسالته قبل التقام الحوت إيّاه، أم بعد ذلك؟ على قولين:أحدهما: أنها كانت بعد نبذ الحوت إيّاه، على ما ذكرنا في [يونس: 98]، وهو مروي عن ابن عباس.والثاني: أنها كانت قبل التقام الحوت له، وهو قول الأكثرين، منهم الحسن، ومجاهد، وهو الأصح.والمعنى: وكنَّا أرسلناه إِلى مائة ألف، فلمّا خرج من بطن الحوت، أُمِر أن يرجع إِلى قومه الذين أُرسِل إِليهم.وفي قوله: أو ثلاثة أقوال:أحدها: أنها بمعنى بل قاله ابن عباس، والفراء.والثاني: أنها بمعنى الواو، قاله ابن قتيبة.وقد قرأ أبيّ بن كعب، ومعاذ القارىء، وأبو المتوكل، وأبو عمران الجوني: {ويزيدون} من غير ألف.والثالث: أنها على أصلها، والمعنى: أو يزيدون في تقديركم، إذا رآهم الرائي قال: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون.وفي زيادتهم أربعة أقوال:أحدها: أنهم كانوا مائة ألف يزيدون عشرين ألفًا، رواه أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.والثاني: أنهم كانوا مائة ألف وثلاثين ألفا.والثالث: مائة ألف وبضعة وثلاثين ألفًا، رويا عن ابن عباس.والرابع: أنهم كانوا يزيدون سبعين ألفا، قاله سعيد بن جبير ونوف.قوله تعالى: {فآمَنوا} في وقت إِيمانهم قولان:أحدهما: عند معاينة العذاب.والثاني: حين أُرسل إليهم يونس {فمتَّعْناهم إِلى حين} إِلى منتهى آجالهم.قوله تعالى: {فاستفتهم} أي: سل أهل مكة سؤال توبيخ وتقرير، لأنهم زعموا أن الملائكة بنات الله {وهم شاهدون} أي: حاضرون.{ألا إِنَّهم من إِفْكهم} أي: كذبهم {لَيَقولون ولد اللهُ} حين زعموا أن الملائكة بناته.قوله تعالى: {أَصطفى البناتِ} قال الفراء: هذا استفهام فيه توبيخ لهم، وقد تُطرح ألف الاستفهام من التوبيخ، ومثله: {أذهبتم طيِّباتكم} [الأحقاف: 20]، {وأَذْهبتم} يُستفهم بها ولا يُستفهم، ومعناهما واحد.وقرأ أبو هريرة، وابن المسيّب، والزهري، وابن جماز عن نافع، وأبو جعفر، وشيبة: {وإِنهم لكاذبون اصْطفى} بالوصل غير مهموز ولا ممدود؛ قال أبو علي: وهو على وجه الخبر، كأنه قال: اصْطفى البناتِ على البنين، كما يقولون، كقوله: {ذُقْ إِنَّكَ أنتَ العزيزُ الكريمُ} [الدخان: 49].قوله تعالى: {مالكم كيف تحكُمون} لله بالبنات ولأنفُسكم بالبنين؟! {أم لكم سُلطانٌ مُبينٌ} أي: حُجَّة بيِّنة على ما تقولون، {فائتوا بكتابكم} الذي فيه حُجَّتكم.{وجَعَلوا بينه وبين الجِنَّة نَسَبًا} فيه ثلاثة أقوال.أحدها: أنهم قالوا: هو وإِبليس أخَوان، رواه العوفي عن ابن عباس؛ قال الماوردي: وهو قول الزنادقة والذين يقولون: الخير مِنَ الله، والشَّرُّ من إِبليس.والثاني: أن كفار قريش قالوا: الملائكة بنات الله، والجِنَّة صِنف من الملائكة.يقال لهم: الجِنَّة، قاله مجاهد.والثالث: أن اليهود قالت: إِن الله تعالى تزوّج إِلى الجن فخرجت من بينهم الملائكة، قاله قتادة، وابن السائب.فخرج في معنى الجِنَّة قولان:أحدهما: أنهم الملائكة.والثاني: الجن.فعلى الأول، يكون معنى قوله: {ولقد عَلِمَتِ الجِنَّةُ} أي: عَلِمَت الملائكةُ {إَنهم} أي: إِن هؤلاء المشركين {لَمُحْضَرُونَ} النّار.وعلى الثاني: {ولقد عَلِمت الجِنَّةُ إنهم} أي: إِن الجن أنفسها {لَمُحْضَرونَ} الحساب.قوله تعالى: {إلاّ عِبادَ الله المُخْلصَين} يعني: الموحِّدين.وفيما استُثنوا منه قولان:أحدهما: أنهم استُثنوا من حضور النار، قاله مقاتل.والثاني: ممّا يصف أولئك، وهو معنى قول ابن السائب.قوله تعالى: {فإنَّكم} يعني المشركين {وما تعبُدونَ} من دون الله، {ما أنتم عليه} أي: على ما تعبُدونَ {بِفاتنينَ} أي: بمُضِلِّينَ أحدًا، {إِلاّ مَنْ هو صَالِ الجحيمِ} أي: مَنْ سبق له في عِلْم الله أنه يدخل النار.ثم أَخبر عن الملائكة بقوله: {وما مِنّا} والمعنى: ما مِنّا مَلَك {إلاّ له مَقامٌ مَعلومٌ} أي: مكان في السموات مخصوص يعبُد اللهَ فيه {وإِنّا لَنَحْنُ الصّافُّونَ} قال قتادة: صفوف في السماء.وقال السدي: هو الصلاة.وقال ابن السائب: صفوفهم في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض.قوله تعالى: {وإِنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحونَ} فيه قولان:أحدهما: المُصَلُّون.والثاني: المنزِّهون لله عز وجل عن السُّوءِ.وكان عمر بن الخطاب إذا أُقيمت الصلاة أقبل على الناس بوجهه وقال: يا أيها الناس استوُوا، فإنما يريد اللهُ بكم هَدْي الملائكة، {وإِنّا لَنَحْنُ الصّافُّون وإِنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحون}.ثم عاد إلى الإِخبار عن المشركين، فقال: {وإِنْ كانوا لَيَقُولونَ} اللام في {لَيَقُولونَ} لام توكيد؛ والمعنى: وقد كان كفار قريش يقولون قبل بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم، {لو أنّ عندنا ذِكْرًا} أي: كتابًا {من الأَوَّلِينَ} أي: مثل كتب الأولين، وهم اليهود والنصارى، {لَكُنّا عِبَادَ الله المُخْلَصِينَ} أي: لأَخلصْنا العبادة لله عز وجل.{فكَفَروا به} فيه اختصار، تقديره: فلمّا آتاهم ما طلبوا، كفروا به، {فسوف يَعْلَمونَ} عاقبة كفرهم، وهذا تهديد لهم.{ولقد سَبَقَتْ كَلِمَتُنا} أي: تقدَّم وَعْدُنا للمرسَلِين بنصرهم، والكلمة قوله: {كَتَب اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنا ورُسُلِي} [المجادلة: 21]، {إِنّهم لَهُمُ المصُورون} بالحُجَّة، {وإنَّ جُندنا} يعني حزبنا المؤمنين {لَهُمُ الغالِبونَ} بالحُجَّة أيضًا والظَّفَر.{فَتَوَلَّ عنهم} أي: أعرِض عن كفار مكة {حتى حينٍ} أي: حتى تنقضيَ مُدَّةُ إِمهالهم.وقال مجاهد: حتى نأمرَك بالقتال؛ فعلى هذا الآيةُ محْكَمة.وقال في رواية: حتى الموت؛ وكذلك قال قتادة.وقال ابن زيد: حتى القيامة؛ فعلى هذا، يتطرَّق نسخُها.وقال مقاتل بن حيّان: نسختها آيةُ القتال.قوله تعالى: {وأَبْصَرهُمْ} أي: انظُر إِليهم إِذا نزل العذاب.قال مقاتل بن سليمان: هو العذاب ببدر؛ وقيل: أَبْصِر حالَهم بقلبك {فسوف يُبْصِرونَ} ما اْنكروا، وكانوا يستعجلون بالعذاب تكذيبًا به، فقيل: {أَفَبِعذابنا يستعْجِلونَ}.{فإذا نَزَلَ} يعني العذاب.وقرأ ابن مسعود، وأبو عمران، والجحدري، وابن يعمر: {فإذا نُزِّل} برفع النون وكسر الزاي وتشديدها {بِساحتهم} أي: بفِنائهم وناحيتهم، والساحة فِناء الدّار.قال الفراء: العرب تكتفي بالساحة والعَقْوة من القوم، فيقولون: نزل بك العذاب وبساحتك.قال الزجاج: فكان عذابُ هؤلاء القتل {فَساءَ صباحُ المُنْذَرِينَ} أي: بِئْسَ صباحُ الذين ًانذروا العذاب.ثم كرَّر ما تقدم توكيدًا لوعده بالعذاب، فقال: {وتَوَلَّ عنهم} الآيتين.ثم نزَّه نفسَهُ عن قولهم بقوله تعالى: {سُبْحانَ ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ} قال مقاتل: يعني: عِزَّةَ مَنْ يتعزَّز من ملوك الدنيا.قوله تعالى: {عَمَّا يَصِفُونَ} أي: من اتِّخاذ النساء والأولاد.{وسَلاَمٌ على المُرْسَلِينَ} فيه وجهان:أحدهما: تسليمُه عليهم إكرامًا لهم.والثاني: إِخباره بسلامتهم.{والحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ} على هلاك المُشْرِكِينَ ونُصرة الأنبياء والمرسَلين. اهـ.
|